بقلم أ.وفاء الخوالدة
لمتابعة الكاتبة على مواقع التواصل :
يظنُ كثيرٌ من الناس أن عبادة الله تكمُن في الصلاة والصيام والقيام، ويتجاهلون بذلك آيات كثيرة وآحاديث جمة جاءت تشرح وتفسر أهمية الابتعاد عن الأذى الانساني في المقام الأول.
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: « قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ » (البقرة : 263) فقد كرّم اللهُ الإنسانَ منذ أن خلقه بأن جعل له عقلًا يتفكر به ويهديه سواء السبيل ثم كرّمه بأن أنزل عليه القرآن فيه دستور حياته ومفتاح الطريق للنجاة وسنّ فيه قواعدَ الحياةِ ومبادئها فحرّم القتل والعدوان والتدمير وكلّ فعلٍ به خراب وتدمير لحياةِ الإنسان.
وجاء الرسول عليه الصلاة والسلام من بعد ذلك جاهدًا ليؤكد على أهميّة ما أُنزل في القرآن من بيان لكرامة الإنسان وأهمية حياته ووجوده، وليست أي حياة بل حياة تُحفَظ بها كرامته وسعادته، فأوصاه بنفسه خيرًا ثم بغيره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم :” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه”. أي مسؤولية هذه وأي مكانة هذه للنفس البشرية أن يُقاربها الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيمان بالله، فقد قرن إيمان الفرد بالله بحفظه لسانه فلا يقول إلا خيرًا.
ويعتقد البعض أن الأذى يقف عند القتل والتعذيب والتدمير وهذا أذى مادي لا يقل عنفًا وأذىً عن الأذى المعنوي من سب وشتم وغيبة ونميمة وكذب وتناجي لما لهذه الأفعال من إيقاع للشك والحزن في النفوس، وقد أرشدنا القرآن لهذا كله، فقال الله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ». ( المجادلة: 9)
وسبب ذلك واضح وصريح، فيقول عز وجل: «إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (المجادلة: 10)
وتذكر أن الأذى النفسي في قلوب من حولك وقعه أقسى ومؤلم أكثر من أن تؤذيَهم جسديًا فيقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
وَاحْرَصْ على حِفْظِ القُلُوْبِ مِنَ الأَذَى
فَرُجُوعِهَا بَعْدَ التَنَافُرِ يَصْعُبُ
إِنَّ القُــلوبَ إِذَا تــَنَــافَرَ ودُّهَــا
شِبْهُ الزُجَاجَةِ كَسْرُهَا لا يُشْعَبُ
فصانعُ الأذى لا يدوم له صديق ولا حبيب ولا عمل،احفظْ لسانك يحفظك، فالحياة قائمة بمُجملها على المعاملة، وإن لم تتسم هذه المعاملة بالذوق والأدب وحفظ اللسان وحُسن الخُلق توترت العلاقات وساءت أحوال الأفراد وعلاقاتهم على اختلاف أماكنهم ومكاناتهم.
فيقول إيليا أو ماضي:
وَأُحِبُّ كُلَّ مُهَذَّبٍ وَلَوَ انَّهُ
خَصْمِي وَأَرْحَمُ كُلَّ غَيْرِ مُهَذَّبِ
يَأْبَى فُؤَادِي أَنْ يَمِيلَ إِلَى الْأَذَى
حُبُّ الْأَذِيَّةِ مِنْ طِبَاعِ الْعَقْرَب
وقد اهتم الإسلام بالآداب والأحكام والحدود التي تُعظم الحُرمات وتحمي المسلم من أن يُمس بأدنى أذى، ولو كان في مشاعره وأحاسيسه وأعطى لذلك منزلة قتل النفس ولمن يتعدى ذلك لشديد العذاب لما لها من حُرمة عظمها الله.
« وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» (الأحزاب :58)
فالتسبب بالأذى للآخرين لا يبقى أثره فرديًا إنما يؤدي إلى العداوة بين بناء المجتمع ثم إلى تفاقم هذه المشكلات وزيادة حدّتها إلى أن تتحول إلى نزاعات قد تنتهي بالجدالات والضرب ثم إلى ما هو أسوأ من ذلك، فلطالما رأينا أن كل النزاعات من حولنا وحالات الثأر وغيرها من آفات المجتمع قد بدأت بكلمة، فكُف عن الأذى، تنال بذلك عفو الله ورحمته ومحبته ومحبة عباده من بعده.
فيقول يحيى بن معاذ:”ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذّمه” فكن مثل الفراشة أينما حللت وارتحلت لا تترك خلفك إلا أثرًا طيبًا وتذكر قول الشاعر احمد شوقي :
إِنَّ الشُجاعَ هُوَ الجَبانُ عَنِ الأَذى
وَأَرى الجَريءَ عَلى الشُرورِ جَبانا