بقلم أ. وفاء الخوالدة
لمتابعة الكاتبة على مواقع التواصل الاجتماعي :
ريحانة
قلتُ ذات مرة أنّك قد تكونيّن يوماً وقد لا تكونيّن، لكن الكتابة لكِ، لشخصٍ ما،
فلابُد أن تكون.
بُنيتي،
مهما كان الزمن الذي ستكونيّن فيه، فلن يتغير كثيرًا عن ما نحن عليه الآن،
نفس الطَبائع البشرية، أو قد تكون أسوأ قليلًا.
نحنُ لا نملِك خَيّاراتٍ لتغيير طَبائع البَشر مِن حَولنا وليس ذلك من مَهامنا ولا من مسؤولياتنا حتى،
لكن أن نَنصَح من نُحبهم ويُهمنا أمرُهم فهذا ما يُمكننا فِعلُه، ومحافظتنا على جوهرنا هو مسؤولياتنا الكبرى.
ما أراه من تصرّفات في شخصيّات البَشر من حولي الآن شيء يُثير في نفسي الحزن حقًا،
تصرّفات باتت مألوفة ولا يستهجنها أحد لكثرتها وكثرة من يَقومون بها،
سَذاجةُ الأحاديث، والحديث عن خصوصيّات الناس ولُب حياتهم ونقاشها على الملأ،
والاستهتار بمشاعر من حولهم وعرض مأساتهم للسُخريّة والضحك، والكثير من التصرّفات التي باتت كمرضٍ في نفوس الناس.
جالسي من ينفعك
نصيحتي لك تَرّفعي بنفسك عن مثل هذه الأحاديث و عن سفاسف الأمور ودُنوّها،
عن نقاشات لا طائل منها، وعن أماكن صخبها بالغيبة والنميمة يعلو، أن تكوني حَكيمة نفسك،
جالِسي من يُضيفون لك فائدة ويُنيرون لك فكرة، من حتى إذا جالستهم بوقت فراغك كانت مجالستهم نفع وخير لك،
واجعلي وقتك مليئ بمختلف الأعمال التي كلها خير، وتذكري ما قال أبو العتاهية يومًا:
“إن الشباب والفـراغ والـجـدة.. مَفسدةٌ للمـرء أيّ مـفـسـدة”.
أن لا تجدي وقت من كثرة انشغالك فذلك أفضل من أن يملئ الفراغ حياتك، فتُصبحين تنظرين لأصغر الأمور وأكثرها تفاهة،
تَنظُرين لخصوصيّات من حولك وتُكثرين الأسئلة عنها، وتنشغلين بحال الناس وأحوالهم،
وعندها ستُصبحين في عداد الناس الذين ذكرتهم ٱنفًا، ولكم نهى الرسول في أحاديثه النبويّة عن ذلك،
فَعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :“من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”.
ريحانتي، لَكم أتمنى يا أمي أن تَكونينَ قويّة ومُستقلة، مُفيدة ومنبر للخير والنفع، ومُدركة لكلّ شيء منذ صغرك،
تَعرفين وتَنتقدّين وتَمتلكين شخصيّة مُنفردة بها عن كلّ الأشخاص من حَولك. لَكَم ولَكَم يدور في ذهني أُمنيّات لكِ..
نصائحي لكِ
وهأنا ما زالت تختبئ في جعبتي الكثيرمن النصائح لك، فلتُصغي يا ريحانة لما سأقوله لك جيّدًا:
إن الباب الذي يهب منه ريح عاتية لا تغلقيه بوجه من هبت الرياح من صوبهم؛ هذه الرياح صفعةٌ لكِ، توقظك من أوهام المرحلة، لا تجعلي الهروب حلًّا، بل واجهي الرياح والباب ومن خلفه أيضًا.
مما تخافين؟ من الوقوف على مرتفعٍ شاهق والنظر منه إلى الأسفل، أم تخافين من السقوط في حفرةٍ عميقةٍ ضيّقة؟
اُحفري الحفرة واسقطي فيها، ليس لأنني أُحب أن تتأذي يا بنتي، لا،
بل هو حل واهي لكي تواجهي مخاوفك، أيًّا كانت.
لن تُقلب الجرة على فمِها ولن تَخرجي كأمك أيضًا، ولدّت بظرفٍ غير ظرفك وبزمانٍ غير زمانك،
لن أحاسبك على عثرات سقطتي بها ولن اطالبك أن تكوني نسخةً مني،
يجب أن تكوني نُسخةً من ذاتك، لا تشبهين أحد، مُتفردّةً بتفاصيلك، قويّةً لا تخشين شيء؛ لا العثرات ولا الحُفر.
وأريد أن يكون لحضورك مهابة لا مثيل لها،
لا أن تكوني طفلةً تهاب ما حولها وتذكري دومًا قول أبي القاسم الشابي:
“ومن يتهيب صعود الجبال.. يعش أبدَ الدهر بين الحفر”
ريحانتي، أنار الله دربك دائمًا بالمسرات وكلل كلّ خطواتك بالتوفيق والخيرات.
مُحبتُكِ: أُمك.