بقلم أ. وفاء الخوالدة
لمتابعة الكاتبة على مواقع التواصل الاجتماعي :
ريحانة قلبي،
ليس سهلًا على أم الإنجاب، ولا سهلٌ عليها مشاقُ الولادة وما يرافقها من ألمٍ وضنك وسهر ، وكل ذلك يهون إذا ما كان طفلها سليمًا صحيحًا كامل الصّحة والمعافاة؛ عندئذٍ يهون كلّ الألم وتظن الأم أن الحمل والولادة هو نهاية الألم مع طفلها ولكنها لن تكل ولن تمل ولن يفارقها التعب أبدًا، فالأم تبقى يقظةً تخاف على طفلها وتخشى عليه مرور نسمة الهواء ،
وتبقى مُراقبة له في كل سكناته وحركاته ، من المهد إلى الحبو حتى يمشي فيغدو إذا مشى مسؤولًا عن نفسه يرى نفسه قد كَبِرَ فيبدأ يتخلى شيئًا فشيئًا عن حُضن الأم ورعايتها، و لكن الأم لا تتخلى؛ تبقى مُراقبة نَهْمة لكل تصرفاته وقد تظنين يا ريحانتي أن هذه مبالغة منها ولكنها وُلدت بنبع حنان فأنى له أن ينضب؟
وفي كثير من الأحيان ولكوني معلمة رأيت كثيرًا من الطلبة يتصرفون بحياتهم في عشوائية تامّة وطيش متجاهلين ما عانته الأم طوال هذه المدة حتى أصبحوا مسؤولين عن أنفسهم ، فهل ستنسين ما كابدته من اجلك يا ريحانتي يومًا؟
عز الدين
يُصبح الواحد منّا يا بُنيتي أب أو أم وهو لا يزال يراقب أفعاله ويضع ما قام به والديه نُصب عينيه دائمًا ؛ فلا يقوم ما هو مُدرك أنّه قد يغضبهم أو يسيئ إليهم ، كنت قد قلت لك مرارًا وتكرارًا أن الله هو من يستحق أن تخشيه وهذه حقيقة مؤكدة لا تراجع عنها يا صغيرتي
قضيت اليوم بين أقسام المستشفى انتظر أن تنتهي عملية أختي وأن تضع مولودها بسلام ، وعندما انتهت العملية واقتربت منها في غرفة الإنعاش، كان أول ما سألت عنه إذا كان طفلها بصحة جيدة؟ وتبدأ تدعو له : ” اللهم احفظه بعينك التي لا تنام، واكنفه بعزك الذي لا يرام واجعله من مواليد السعادة ووفقه للبر والعبادة “.
وذلك ما اثار في نفسي مشاعر عظيمة، وبدأت تتبادر لذهني أسئلة هل سيعرف عزالدّين ما عاشته وعانته أختي من أجله؟ هل سيعمل ولو قليلًا في برّها وكسب رضاها، وأقل ما يمكن فعله من طفل لأمه أن يطيعها ويكسب رضاها دائمًا،
فالأم من كان الرسول دائم الحرص في حثنا على برها فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:“جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ”.
وهل تظنين أن هذه مهمة سهلة أو قليلة الأجر؟ ثبت عن معاوية بن جاهمة السلمي –رضي الله عنه- أنه قال: “أنَّ جاهِمةَ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ ، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ ؟ فقالَ: هل لَكَ مِن أمٍّ ؟ قالَ: نعَم ، قالَ : فالزَمها فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها”.
لقراءة المزيد من سلسلة ريحانة
نصيحتي لك
أكتبُ لكِ يا عزيزتي ففي نُصحك نُصح جيل كامل ، وتأكدي يا عزيزتي أن ما من شيء فيه أجر وغنيمة كما طاعة الوالدين ،
فبرضاهما نكسب رضا الرحمن ورضا الأم لا يقل أهمية عن طاعة الأب وكسب رضاه ، وفي طاعة كليهما أجر عظيم ومغانم كثيرة لا تُعد ولا تحصى ، ولم أرى في حياتي أحدٌ بارٌ في والديه إلا ورزقه الله أطفالًا بروا به وأطاعوه ، فالله لا ينسى جزاء عطاء أحدهم مهما كان.
قال تعالى: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا».
وهاأنا قد قدمت استقالتي من عملي لأكن بقُرب أمي وفي رعايتها في مرضها ، طمعًا في أن يرزقني الرحمن بكِ فتكونين لي أفضل مما تمنيت ساعية الآن في رضا والدي طمعًا أن أبلغ رضا الله ، وهذا ليس سهلًا ولا أظن عند مجيئك بعد طويل السنين سيكون سهلًا أيضًا إنما طاعة الوالدين أمرٌ فيه مشقة وبذلك يختبر الله الصابرين،
قال تعالى: « قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ».
ويا ريحانة قلبي، أسأل الله أن يحفظك ويقرّ بك عيني.
آمين، آمين.