بقلم أ. وفاء الخوالدة
لمتابعة الكاتبة على مواقع التواصل الاجتماعي :
ريحانتي،
ها أنتِ تكبرين أمام عيني شيئًا فشيئًا وتدخلين في مراحل شبابك، مراحل التغيرات والحيرات والانتقالات السريعة ويعز علي أن أراك يا عصفورتي تكبرين وستهاجرين عُش والديك يومًا ما، وفي هذه السنوات المُقبلة عليك عُمر حرج؛ تقفين فيه أمام خياراتٍ صعبة وأمام قرارتٍ مهمة، وستكونين في حيرة أيّ هذه الخيرات لك خير، اختيار تخصصك الجامعي، وجامعتك المستقبلية، شريك حياتك وكثيرٍ منها، لكن مهما بدا كل شيء يؤول إلى حال لا يرضيك وكل أمر يحدث وتقفين عاجزة عن مجابهته.
تذكري حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب – رضي الله تعالى عنهما- قال: كنت خلف النبي ﷺ يوما، فقال: “يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم: أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف”.
وفي ذلك تذكرة مهمة أن ما من شيء يحدث لك إلا والله به عليم حكيم، تحت عنايته وتوفيقه، وقد تظنين أن في بعض أمرك شر وهو خير لكِ ولكن بنو البشر أعجز من أن يدركوا غاية الله وحكمته في كل شيء فاعقلي وتوكلي واسألي الله الخيرة في كل ما تختاري وهو حكيم عزيز.
ماذا تعلمت؟
وقد تعلّمت من سنوات لي مضت في حيرةٍ وقلق من كل الخيارات والقرارات..
- أن على الإنسان أن لا ينسى حقيقة أن العمر يمضي..
- وأن تأمُل التفاصيل البسيطة عادة تُعطيكِ الهدوء..
- وأن علينا أن نختلس سعادتنا من الحياة اختلاس الجائع للخبز..
تعلّمت أن لا أعيد التفكير في أمر ما مرتين
- وأن الباب الذي أُغلق في وجهي مرة لا أطرقه مرة أخرى..
- وأن لا أتنازل عن حقٍ لي..
- وأن أصبح قاسية وشرسة في وجه من يحاول أن يجعلني ضعيفة..
تعلّمت أن عليَّ المضي بأيامي كيفما هي، إن جاءت بسعادة احتضنتها وإن قست تعلّمت الدرس وتفهمت، وأن لا أمضي فوق حزني، بل أعيشه، أحلله وأمضي به، فإذا مضيت فوقه مضى بي وبقي
تعلّمتُ أن الجانب النفسي من أحدنا يا ريحانتي لا يقل أهمية عن جانبه الجسدي أو أي جانب آخر في حياته، فلا عيب من قولكِ أنكِ متعبة، وأنكِ مكتئبة، وأنكِ حزينة، فالحزن يتجدد ويتراكم في داخلنا إذا ما فهمناه ووهبناه وقته.
تعلّمتُ أن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم- مُسكّن لهذه الآلآم ورفيقة في كلّ الأيام
تعلّمت أن أسأل الله الرضا، فإذا ما ملكته غاب عني الحقد والحسد والغيرة، وهي أفعال لا أطيق فعلها، ونسأل اللَّه الرضا الذي يُغنينا ويرينا كل شيءٍ بعينٍ راضية.
تعلّمت أن الرزق محفوظ بين يدي الرحيم، يأتيك في موعده، الزوج رزق، العمل رزق، المال رزق، وما إن ذهب لك رزق بيد أحدهم سيعود لك بضعفه وخيره بيد غيره، فهذا لطف الخبير فلا تبتئسي.
تعلّمي كيف تقويْنَ وترضيْنَ وتُحبين وتَنسين وتتجددين وتولدين من جديد مرةً تلو مرة.