بقلم أ. وفاء الخوالدة
لمتابعة الكاتبة على مواقع التواصل :
في هذا العنوان الذي أُخذ من قوله صلى الله عليه وسلم مقاربة مهمة لمعنى التواضع الحقيقي الذي نبتغيه والابتعاد عن معناه اللغوي السطحي، ففي اللغة يُعرف التواضع بأنه التذلل والخشوع أما في الاصطلاح الشرعي وما قصده هذا الحديث فهو ترك المباهاة وتجنب المفاخرة بالجاه والمال والتحرر من الكبر.
فما من خُلق مكروه ككثرة الكِبَر، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” فقال الرجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسن؟ قال: ” إن الله جميل يحب الجمال، الكِبر: بَطرُ الحق وغمطُ الناس” ومعنى غمط الناس: أي الاحتكار والاستهانة بالناس.
فما هناك أعظم وأجل من شخصية وقامة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أكثر الناس تواضعًا، والإسلام حث منذ القدم على التواضع حيث أن الناس كلهم من آدم ولا فضل لأحد على أحد لا بلون البشرة ولا بالقبيلة ولا بالعرق ولا بالجنس، وأن ما يميز شخص عن شخص آخر ما هو إلا بالتقوى، قال تعالى: « يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكروأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير » .
وجاءت السنة النبوية بعد حث القرآن الكريم داعيةً إلى هذا الخُلق في أحاديث كثيرة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:“لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا. المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هاهُنا. ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ. كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ.”.
وكما اعتدنا فلا حث الإسلام على شيئ إلا كان به خير على صاحبه، به يكسب رضا الله عز وجل ومحبته وبالتواضع ينال الإنسان القبول بين الناس وينال محبتهم وينشر بذلك الخُلق المودة والمحبة بين الناس.
والتواضع خُلق كريم من إنسان كريم فلا تجد هذا الفعل إلا من كريم، فلا يتواضع إلا صاحب العلم والأصل السليم، أما الفارغ عقلًا وفكرًا فهو من يتمايل بنفسه إعجابًا وهو فارغ من داخله ومن ما قالته العرب:
“إذا امتلأت كف اللئيم من الغنى
تمايـل إعـجابـًا وقال أنـا أنـا
ولكن كريم الأصل كالغصن كلما
تحمل أثمارًا تواضع وانحنى”
فالتكبّر سمة من سيم الناقصين الساعيين إلى الكِبَر لستر نقصهم ويَحضرني البيت الشعري القائل:
ملأى السنابل تنحني بتواضعٍ
والفارغات رؤوسهن شوامخ
وفي ذلك توضيح أن من الناس من يتخذ تواضعه أسلوبًا في حياته للتعامل مع مُختلف المواقف وممن يعالجون المواقف بحكمة وهدوء وهذا من شيمهم الحسنة على عكس من تعلو أصواتهم وترتفع بتعجرفٍ وتكبر ويعلو صوتهم وعقلهم من داخله فارغ.
ولا ننسى في حضرة هذا الموضوع، نصائح لقمان لابنه إذ كان يسعى أن يهديه نهجًا شاملًا ليكن شخصًا مقبولًا محبوبًا كاملًا ومكملًا لمن سواه وأبرز ما كان ينصحه إياه أن يبتعد عن التبختر والخيلاء والتكبر عن الناس كونه كاملًا في نفسه، قال الله تعالى على لسان لقمان : « ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور » (سورة لقمان :18)
وقال: « واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير » (سورة لقمان:19)
والمعنى: أن تُقبل على الناس متواضعًا مؤنسًا، تحترم صغيرهم وكبيرهم، فتواضعك للناس من سلامة صدرك وقلبك ونقاء سريرتك، فاسعى ما استطعت أن تكن نسمةً بالأثر بين الناس لا تترك إلا أطيب الأثر وأنقاه.